التطهير العرقي لفلسطين
-بقلم كاتب يهودي مغربي -

The Ethnic Cleansing of Palestine


- للكاتب اليهودي ILAN PAPPE "إيلان بابي" -

(كتاب يروي القصة الحقيقية للخروج الفلسطيني من الأراضي الشرعية)

فعلا لقد كتب الكثير و الكثير عن اللاجئين الفلسطينيين و أسباب خروجهم من أراضيهم و منازلهم ، في حين حاولت إسرائيل إطلاق الضباب حول هذه القضية و الادعاء بأن الفلسطينيين هم الذين نزحوا عن أراضيهم لكن بعض الكتابات بينت أن الفلسطينيين قد طردوا من أراضيهم طردا على أيدي القوات الإسرائيلية . و بقيت هذه القضية أحيانا في إطار الجدل و الآراء المتضاربة تحت وطأة الدعاية الإسرائيلية المكثفة في محاولة لتخفيف مسؤولية إسرائيل أو حتى غسل أياديها من هذه الجريمة و إلقاء اللوم على الفلسطينيين " الذين نزحوا أو فروا من أراضيهم بمحض إرادتهم".

و لكن هذا الكتاب الجديد الذي ظهر مؤخرا للمؤرخ اليهودي إيلان بابي قطع الشك باليقين و جاء بالكلمة الفصل ليثبت بما لا يقبل الشك أن خروج الفلسطينيين من وطنهم كان نتيجة خطة إسرائيلية عليا محكمة و دقيقة و مفصلة قررتها القيادة الإسرائيلية برئاسة بن غوريون زعيم الحركة الصهيونية في تلك الفترة . و يستند هذا الكتاب الجديد إلى مراجع جديدة لم يسبق معرفتها من قبل و تشمل الخطط و التعليمات و القرارات و العمليات العسكرية التي قامت بها  القوات الإسرائيلية لتنفيذ هذه الخطة ، و هي مراجع ثابتة مسجلة في محاضر و نصوص حرفية كسف عنها أخيرا هذا الكتاب لكل من يهمه أمر فلسطين و كل من يقول أنا فلسطيني حتى ليصدق على هذا الكتاب المثل العربي القائل: 
" قطعت جهيزة قول كل خطيب "

و ما يلي هو ملخص الكتاب و قد تناولت القليل منه :

في الثامن من آذار 1948 ، في ( البيت الأحمر ) في تل أبيب ، مقر قيادة الهاغاناة [المنظمة الصهيونية العسكرية في فلسطين] ، اجتمع أحد عشر شخصا من القيادات الإسرائيلية المخضرمة و الضباط اليهود الشباب لوضع اللمسات الأخيرة على خطة الاستئصال العنصري للشعب الفلسطيني .

في الليلة نفسها صدرت الأوامر للوحدات العسكرية بالاستعداد للطرد المنهجي و المنظم للفلسطينيين من أجزاء واسعة من البلاد ، و وصلت الأوامر مزودة بوصف مفصل للأساليب التي يجب استخدامها لطردهم، و هي:

ترويع شامل للسكان - محاصرة القرى - قصف بالمدفعية خاصة مراكز التجمع السكاني - حرق البيوت و الأملاك و السلع - الطرد و التدمير و النسف - و في النهاية زرع الألغام في الركام لمنع السكان المطرودين من العودة .

و زودت كل وحدة عسكرية إسرائيلية بقائمة القرى و الأحياء المخصصة لها كأهداف للخطة الأم . أعطيت الخطة اسما رمزيا و هو خطة " داليت " [بالعربية الخطة : دال ] ، و كانت هذه الخطة هي النسخة الرابعة و النهائية لخطط أخرى أقل أهمية لخصت القدر الذي كان يخبئه الصهاينة لفلسطين و بالتالي لسكانها الأصليين .

و في الخطط الثلاثة السابقة وضع تصور عام لطريقة القيادة الصهيونية في التعامل مع الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون في الأراضي التي اعتبرتها الحركة اليهودية تابعة لها ، أما الخطة الرابعة و النهائية هذه فقد نصت بوضوح و دون أي غموض على أن الفلسطينيين يجب أن يرحلوا . و بكلمات أحد المؤرخين الذين اكتشفوا خطورة هذه الخطة ، سمحا فلابان، فإن الهجوم العسكري ضد العرب ، الذي يتضمن غزو و تدمير المناطق المدنية ، تم وضعه بموجب خطة الهاغاناة المسماة خطة داليت ، و كان هدف الخطة طبعا و في الواقع هو تدمير المناطق المدنية و الريفية في فلسطين .

كان ذلك هو النتيجة الحتمية للدافع الأيديولوجي الصهيوني لتحقيق وجود يهودي فقط في فلسطين ، و حسم التطورات على الأرض، بمجرد أن قرر مجلس الوزراء البريطاني إنهاء الانتداب . و قد شكلت الصدامات مع المليشيات الفلسطينية المحلية الذريعة المثلى لتطبيق التصور الأيديولوجي لاستئصال الفلسطينيين من وطنهم ، في البداية انتهجت السياسة الصهيونية الرد على الهجمات الفلسطينية في فبراير 1947 ثم تحولت إلى المبادرة التي هدفها الاستئصال الكامل للوجود الفلسطيني في مارس 1948 . و بمجرد اتخاذ القرار أمكن تنفيذه في خلال ستة أشهر . و بتنفيذه تم طرد ثمانمائة ألف فلسطيني هم أصحاب الأرض الأصليين ، و  دمرت 531 قرية و أفرغت إحدى عشر منطقة من سكانها. إن القرار الذي اتخذ في العاشر من مارس -آذار- 1948 ، و قبل كل شيء تم تنفيذه المنظم في الشهور التالية ، كان عملية محددة و واضحة الأهداف لاستئصال الفلسطينيين و هو ما يسمى حاليا بالتطهير العنصري و هو ما يمكن اعتباره جريمة ضد الإنسانية طبقا للقانون الدولي.

بعد الهولوكوست أي اضطهاد اليهود و قتلهم تحت الحكم النازي في الحرب العالمية الثانية أصبح من المستحيل إخفاء الجرائم الكبرى ضد الإنسانية خاصة مع تعاظم دور الإعلام الإلكتروني بما لا يسمح بتغطية هذه الجرائم و حجبها عن الرأي العام أو إنكارها . و رغم ذلك فإن جريمة بالتحديد قد انتزعت و محيت كليا من الذاكرة العالمية العامة و هي : تشتيت الفلسطينيين على أيدي إسرائيل سنة 1948 . إن هذه الجريمة و هي أهم ما حدث في تشكيل تاريخ فلسطين الحديث قد أُنكر حدوثها بنفي منظم ، و هي حتى اليوم لا يُعترف بها على أنها حقيقة تاريخية ، ناهيك عن اعتبارها جريمة يجب مواجهتها سياسيا و أخلاقيا في آن واحد.

إن الاستئصال العنصري جريمة ضد الإنسانية و الذين يقومون بارتكابها هذه الأيام يعتبرون مجرمين يجب محاكمتهم أمام محاكم خاصة . و قد يكون من الصعب أن نقرر ، في المجال القانوني ، كيف يمكن أن تنظر إلى أولئك الذين بادروا بالاستئصال العنصري و الذين قاموا به في فلسطين سنة 1948 ، و لكن من الممكن إعادة تشكيل هذه الجرائم و الوصول إلى حساب تاريخي- بصري يثبت بشكل أوضح من قبل ماذا حدث و بشكل أقوى من الثقة و النزاهة في الوقت نفسه.

نحن نعرف أسماء الذين جلسوا في تلك الغرفة في الطابق العلوي من البيت الأحمر ، تحت يافطات معدة بالأسلوب الماركسي ، تحمل شعارات مثل : " أخوة السلاح " و " القبضة الفولاذية" و أظهرت اليهودي الجديد كرجل مفتول العضلات و في ريعان الشباب و قد لوحته أشعة الشمس - و هو يوجه بندقيته من وراء المتاريس في " الحرب الشجاعة" ضد الغزاة الأعداء من العرب.

و نحن نعرف أيضا أسماء الضباط الكبار الذين قاموا بتنفيذ هذه الأوامر على الأرض . و هم جميعا يعيشون في "مخيلة البطولة الإسرائيلية" . و قد عاش بعض هؤلاء حتى زمن قريب و قاموا بأدوار أساسية في السياسة الإسرائيلية و بعضهم القليل ما زالوا معنا حتى اليوم. لكل العرب و لأي من الذين رفضوا شراء الرواية اليهودية فإنهم من الواضح و قبل أن يوضع هذا الكتاب بوقت طويل أن هؤلاء الأشخاص هم مساهمون فيما جرى و لعلهم لن يقفوا يوما أمام العدالة لمحاكمتهم على المساهمة في هذه الجرائم ما دمنا قد فصلنا الخطط. و إلى جانب العذاب الذي قاساه الفلسطينيون فإن أحد أشد أشكال الظلم الذي عانوه أيضا هو أن هذه الجرائم التي ارتكبها هؤلاء قد تم إنكارها و أن عذاب الفلسطينيين قد تم إنكاره بشكل كلي منذ 1948.

قبل حوالي ثلاثين سنة ، بدأ ضحايا الاستئصال العنصري تجميع الصورة التاريخية التي حاولت الرواية الإسرائيلية الرسمية أن تطمسها و تشويهها بكل الوسائل التي تملكها دولة إسرائيل و أنصارها . و الحكاية الإسرائيلية لما حدث كما طبخها التاريخ الإسرائيلي تتحدث عن هجرة طواعية لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين قرروا ترك منازلهم و قراهم بشكل مؤقت إفساحا للقوات العربية الغازية القادمة لتدمير الدولة اليهودية . و في السبعينات استطاع المؤرخون الفلسطينيون و في مقدمتهم وليد الخالدي تجميع جزء كبير من الوقائع التي حاولت إسرائيل أن تمحوها . و لكن هذه المحاولات تعرضت للدخان الذي أطلق لإخفائها ، مثل كتاب " جينسيس 1948" للكاتب دان كورزمان الذي صدر سنة 1970 ، و مرة ثانية سنة 1992 (في هذه المرة مع مقدمة لأحد منفذي الاستئصال العنصري للفلسطينيين و هو إسحاق رابين و كان رئيسا للوزراء آنذاك) .على أي حال فقد برز البعض لدعم الجهود الفلسطينية مثل ميشال بالومبو مؤلف كتاب " النكبة الفلسطينية" الذي صدر سنة 1982 .و الذي يدعم فيه ما يقوله الفلسطينيون إسنادا طبعا إلى مقابلات مع لاجئين فلسطينيين ما تزال ذكرياتهم المؤلمة حية لما عانوه منذ النكبة.

و كان من الممكن أن يحدث اختراق سياسي في المعركة حول الذكريات الفلسطينية بظهور ما يوصف بـ (التاريخ الجديد) في إسرائيل . كانت تلك محاولة لعدد صغير من المؤرخين اليهود لمراجعة أحداث حرب 1948 و كان هذا الكاتب اليهودي واحدا منهم و لكن كما جاء على لسانه: نحن المؤرخين الجدد لم نبذل جهدا مهما في النضال ضد إنكار النكبة كما أننا أهملنا مسألة الاستئصال العنصري و كذلك على مثال المؤرخين الدبلوماسيين الاعتناء بالتفاصيل.

رغم ذلك ففي الاستناد إلى الأرشيف العسكري الإسرائيلي الأولي ، فإن المؤرخين المراجعين نجحوا في كشف الإدعاء الإسرائيلي الزائف و التافه بأن الفلسطينيين قد تركوا منازلهم- طواعية- فقد استطاعوا تأكيد و إثبات الطرد الجماعي للفلسطينيين من القرى و المدن و أن القوات الإسرائيلية قد ارتكبت عددا كبيرا من الأعمال الوحشية بما في ذلك المذابح و المجازر.

و قد يقول البعض أن ما كشف حتى الآن كاف لإثارة بعض الأسئلة و لكنه لم يكن كافيا في حقيقة الأمر ، لدخول مملكة الضمير الأخلاقي و العمل ، لهذا فإني أريد استكشاف آلية 1948 للاستئصال العنصري الذي تعرض له الفلسطينيون و النظام الماكر الذي سمح للعالم أن ينسى و يُمكن المرتكبين من إنكار الجريمة التي اقترفتها الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني سنة 1948 . بكلمات أخرى فإني أريد اعتبار مثال الاستئصال العنصري أساسا للبحث العلمي و الحوار العام . فأنا لا أشك بأن غياب دراسة الاستئصال العنصري حتى الآن تشكل مسؤولية أساسية عن إنكار النكبة حتى اليوم و طوال هذه المدة . فحين قامت الحركة الصهيونية بإنشاء إسرائيل ، لم تخض حربا أدت بشكل مأساوي إلى طرد السكان الأصليين ، و لكن الأمر هو عكس ذلك : فقد كان الهدف الأساسي هو الاستئصال العنصري ، أرسلت الأقطار العربية المجاورة جيشا صغيرا - صغيرا بالمقارنة مع القوة العسكرية العاتية للحركة الصهيونية حينذاك - حاول من غير جدوى الحيلولة دون الاستئصال العنصري . و الواقع أن الحرب مع الجيوش العربية النظامية لم تؤد إلى وقف عمليات الاستئصال الصهيونية إلى حين انتهائها بنجاح في خريف 1948.

و حين أذكر أسماء المسؤولين اليهود عن هذه الجريمة فإني لا أريد محاكمتهم بعد موتهم و لكن لأعطي القيمة الإنسانية سواء للمرتكبين أو الضحايا : إني أريد أن لا تُعزى الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل لعوامل غامضة مثل " الظروف" أو " الجيش" أو الإشارات العائمة التي تتيح للدول أن تتهرب منها و للأفراد أن يهربوا من المحاكمة . 

إني أشعر بالمسؤولية عن المسألة و إني جزء منها أيضا كالآخرين في مجتمعي ، و أنا مقتنع بأن هذه الرحلة المؤلمة في الماضي هي الطريق الوحيد إلى الأمام إذا كنا نريد تحقيق مستقبل أفضل لنا جميعا ، سواء فلسطينيين أو إسرائيليين.

إلى أن تم الاحتلال البريطاني لفلسطين كانت الصهيونية مزيجا من الأيديولوجية القومية و الممارسة الاستعمارية . كانت محدودة المدى : فعدد الصهاينة في فلسطين لم يكن يزيد عن خمسة في المائة من مجموع السكان و كانوا يعيشون في مستعمرات منعزلة و بذلك لم يؤثروا في شيء بل إن السكان الفلسطينيين بالكاد كانوا يشعرون بوجودهم ، و احتمال قيام دولة يهودية في المستقبل و طرد أصحاب البلاد الأصليين ، و هو ما تعرف عليه المؤرخون بشكل واضح من كتابات الآباء المؤسسين ، بدا جليا لبعض القادة الفلسطينيين حتى قبل الحرب العالمية الأولى في حين أن آخرين لم يهتموا به . على أية حال بدا واضحا أن ما تريده الحركة الصهيونية هو إقامة دولة يهودية في فلسطين و استغلت هذه الحركة بعض المشاعر الدينية لدفع بعض القادة الغربيين لتأييد هذا المشروع و في مقدمتهم لويد جورج رئيس الحكومة البريطانية في الحرب العالمية الأولى الذي أخذ بأوهام الدعاوى الصهيونية بعودة المسيح و إقامة حكومة دينية في فلسطين .

و في الوقت نفسه فإن لويد جورج تبنى اعتبارات " استراتيجية " لإقامة دولة صهيونية للتخلص من العرب و "المحمديين" كما كان يطلق على الفلسطينيين آنذاك . و حين بدأت تظهر المقاصد الحقيقية للحركة الصهيونية بتحويل فلسطين إلى كيان يهودي أصبح من الواضح أن ذلك يعني طرد السكان الأصليين . من البداية أتاح الانتداب البريطاني لفلسطين هامشا واسعا للعمل الصهيوني و وضع البنيات الأساسية لدولة المستقبل . و بدأت الحركة الصهيونية في بناء التنظيمات العسكرية للاستيلاء على فلسطين متى فشلت المحاولات الديبلوماسية . و قام ضابط بريطاني و هو اوردر شالز وينغيت بتمكين الحركة الصهيونية من إقامة قوة عسكرية لتحقيق أحلامها و مواجهة أي مقاومة فلسطينية . كان وينغيت ضابطا في الجيش البريطاني نقل للعمل في فلسطين سنة 1936 و استولت عليه الدعاية الصهيونية و بدأ في تشجيع المستوطنين اليهود و تدريبهم على أصول التكتيكات القتالية و أساليب الرد على المقاومة الفلسطينية آنذاك .

سنة 1920 أنشأ وينغيت التنظيم شبه العسكري الأول للمستوطنين اليهود : الهاغاناة أي الدفاع بالعبرية و تحولت بعد ذلك لتكون الذراع العسكري للوكالة اليهودية و هي الهيئة الصهيونية في فلسطين التي قامت في النهاية بوضع خطط الاستيلاء العسكري الصهيوني على كل فلسطين و اقتراف جريمة الاستئصال العنصري للفلسطينيين . استطاع وينغيت إلحاق الهاغاناة بالقوات البريطانية لمقاومة الثورة الفلسطينية سنة 1936 و إشراكها في العمليات العسكرية لتتعلم كيف تقوم بالعملية " العقابية " للقرى الفلسطينية. ففي سنة 1938 مثلا "تذوقت" القوات اليهودية لأول مرة "طعم" احتلال قرية فلسطينية ، حين قامت وحدة من الهاغاناة بالاشتراك مع كتيبة بريطانية بمهاجمة قرية عربية تقع على الحدود بين فلسطين و لبنان و احتلالها لبضع ساعات . و اكتسبت الهاغاناة خبرة عسكرية ثمينة حين تطوع عدد من أفرادها في الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية . أما الذين بقوا في فلسطين فقد استمروا في رصد القرى الفلسطينية و التسلل إليها و التي يبلغ عددها حوالي الألف و المائتي قرية منتشرة في كل فلسطين منذ آلاف السنين . هنا سأتحدث عن ملفات القرى :
أعطت الحركة الصهيونية أهمية بالغة لجمع المعلومات عن القرى و المدن الفلسطينية و بدأت في إعداد خطة منظمة لتحقيق ذلك. و قام أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية بن زيون لوريا بتنفيذ هذا المشروع و تبيين الفوائد المنتظرة من إعداد سجل مفصل للقرى العربية و اقترح أن يقوم الصندوق القومي اليهودي jnf ) )بالإشراف على هذا العمل . كان هذا الصندوق يقوم بالدور الصهيوني الأول لاستعمار فلسطين بطرد الفلاحين بحجة غياب أصحاب الأراضي خاصة بعد تغيير الحدود العربية في ظل الانتداب البريطاني و قد واجهت الحركة الصهيونية مقاومة فلسطينية ضارية حتى أن كل ما كانت تسيطر عليه من الأراضي الفلسطينية حتى نهاية الانتداب البريطاني سنة 1948 لم يزد عن حوالي 5.8 في المائة .كانت النتيجة النهائية لهذا المشروع بنهاية 1930 هو إعداد ملف خاص لكل قرية فلسطينية يضم الموقع الطبوغرافي و الطرق و نوع الأرض و الينابيع و مصادر الدخل الرئيسية و تشكيلها الاجتماعي كما انتمائها الديني و أسماء المخاتير و علاقتها بالقرى الأخرى ، و اهتم واضعو هده الملفات بتسجيل مساهمة كل قرية في ثورة 1936 فكانت هناك قائمة بأسماء كل الذين شاركوا في الثورة و أسماء العائلات التي حاربت القوات البريطانية. و كما ترون فإن السجل كان وراء أسوأ المذابح التي شهدتها القرى الفلسطينية بما في ذلك الإعدامات الجماعية و التعذيب كما ساعد في تجنيد العملاء.

في مواجهة البريطانيين ما بين 1945 و 1947.
لعل أهم الأهداف التي استطاع الانتداب البريطاني تحقيقها هو تدمير القيادات الفلسطينية و تشتيتها و القضاء على قدرات المقاومة و بذلك انتقى قيادة فلسطينية في لحظة حاسمة من تاريخ فلسطين.
و في هده الفترة كشفت الحركة الصهيونية بصراحة عن خططها الحقيقية و هي الاستيلاء على كل فلسطين و كما كتب أحد زعماء هده الحركة يوسف ويتز : "من حقنا طرد العرب" و كما كتب بن غوريون لابنه سنة 1937 :"على العرب أن يرحلوا" و بن غوريون نفسه كان العقل المدبر لعملية الاستئصال العنصري لعرب فلسطين بعد ذلك. 
قاد بن غوريون الحركة الصهيونية من أواسط العشرينات حتى الستينات ، و برزت تحت قيادته كلمتان سحريتان : "القوة و اللحظة المناسبة". أي أن الدولة اليهودية لن توجد بغير القوة، و لكن يجب انتظار اللحظة التاريخية المناسبة . و في مؤتمر بالتيمور في أمريكا سنة 1932 أعلن بن غوريون مطلب الاستيلاء على كل فلسطين. و في نهاية أغسطس 1936 حضر بن غوريون مؤتمرا للقيادة الصهيونية في فندق مونسو في باريس ( يملك الآن الفندق حاليا مواطن عربي من أعداء الحركة الصهيونية و هو عثمان العايدي) في محاولة لإيجاد بديل لمقررات بالتيمور التي واجهت معارضة دولية شاملة . و عادت في هذا المؤتمر فكرة صهيونية قديمة و هي : تقسيم فلسطين . و قد قبل بن غوريون فكرة التقسيم على مضض و لكنه اعترض على مداها أي حدود الدولة المقترحة.
و كغيره من قادة إسرائيل حتى آرييل شارون سنة 2000 لم يكشف بن غوريون عن خططه الحقيقية و لكنه قال للمؤتمرين أنه يقبل بإقامة الدولة على ثمانين إلى تسعين في المائة من فلسطين بشرط تأمين و ضمان السيطرة اليهودية . و هما المفهوم و النسبة اللذان لم يتغيرا من مطالب و خطط الحركة الصهيونية في الستين سنة التالية . و قبيل 1947 وضعت الوكالة اليهودية خريطة لدولة إسرائيل القادمة مشابهة لحدود إسرائيل حتى 1967 أي فلسطين دون الضفة الغربية و غزة . بدأ الاستعداد لتنفيذ خطة الاستيلاء على فلسطين و إعلان الدولة اليهودية في اللحظة المناسبة و اعتبر بن غوريون أن قضية الأمن هي  القضية الأهم أي ما أطلقوا عليه "بيتاشون" بالعبرية ، و بُدئ على الفور في استكمال و تطبيق هده الخطة . كان تعبير بيتاشون و ما يزال تعبيرا شاملا يشمل مختلف القضايا و يبرر صنوف السياسات ، من شراء الأسلحة إلى الصراع الداخلي مع بقية القوى الإسرائيلية إلى استعدادات الدولة الجديدة و السياسات المتبعة ضد الفلسطينيين . و بعد أن تولى بن غوريون قيادة الدائرة العسكرية في المؤتمر الصهيوني سنة 1946 ، تأكد لابن غوريون أن البريطانيين سيخرجون ، و بدأ في وضع الاستراتيجية  الشاملة ضد الفلسطينيين في لحظة رحيل البريطانيين . و أطلق على هده الاستراتيجية  خطه "سي اي جيميل" بالعبرية. 
تضمنت الخطة إعداد القوات اليهودية للقيام بهجمات شاملة و السيطرة على فلسطين و تحقيق الأهداف كما جاء في نصها : 
1-قتل القيادات الفلسطينية السياسية.
2-قتل المقاومين الفلسطينيين و من يمولهم.
3- قتل كل من يقاوم اليهود.
4-قتل كبار الضباط الفلسطينيين الذين عملوا في إطار الانتداب البريطاني.
5-تدمير المواصلات الفلسطينية.
6-تدمير وسائل المعيشة الفلسطينية.
7-مهاجمة القرى الفلسطينية التي يمكن أن تساعد في المعارك القادمة.
8-مهاجمة النوادي و المقاهي و كل أمكنة التجمع السكانية.


ترقبوا المزيد لاحقا

0 رد على " "

إرسال تعليق