صفعة على وجه الصهيونية .. من كاتب يهودي مغربي -3-

الحـــــــرب الوهـــــــــــــمية

بعد أسابيع من انتهاء الانتداب البريطاني ، استطاعت القوات اليهودية الوصول
 إلى المستوطنات الإسرائيلية المتفرقة في فلسطين ما عدا مستوطنتين في الضفة الغربية ، التي جرى الاتفاق على ضمها للأردن قبل مايو – أيار- 1948 . و في رسالة بعث بها بن غوريون إلى قادة كتائب الهاغاناة في تلك الفترة : ( إن التطهير العرقي للفلسطينيين يبقى هو الهدف الأهم لخطة داليت ) . و استخدم كلمة " بيور" العبرية التي تعني " الاستئصال".
كان الجيش الأردني هو أقوى الجيوش العربية و لكن تم تحديده من أول أيام حرب فلسطين بنتيجة الحلف الصامت ……  و ليس من المستغرب ، إذن ، إن الجنرال غلوب ، القائد الإنجليزي للجيش ، وصف هذه الحرب بأنها " الحرب الوهمية " . فقد كان يعرف جيدا الحدود المفروضة على الجيش الأردني  كما كان يعرف أن الجيوش العربية في حالة من العجز تدعو للشفقة . و يبدو من الواضح الآن أن الأسطورة اليهودية التي تتحدث عن هجرة طواعية للفلسطينيين استجابة لنداء عربي لإفساح المجال للجيوش العربية ، هذه الأسطورة بالضبط لا أساس لها من الصحة . إنها مجرد اختراع يعادل الادعاء بأن اليهود طالبوا العرب بالبقاء . فالواقع أن مئات الآلاف من الفلسطينيين قد تم طردهم بالقوة قبل بداية الحرب و عشرات الآلاف تم طردهم في الأسابيع الأولى من الحرب . فنهاية الانتداب في 15 مايو – أيار- 1948 كان يوما آخر من يوميات التطهير العرقي الفظيع الذي بدأ الفلسطينيون يتعرضون له قبل ذلك بخمسة أشهر.
أيـــــــــام تيــــــــــــهور:
" تيهور" هي كلمة عبيرية أخرى للتطهير ، و هي التعبير أو الاصطلاح الذي تلقته الوحدات اليهودية عشية نهاية الانتداب في وصف مهمتها القادمة . و كانت هذه هي اللغة التي استخدمتها القيادة العليا لتعبئة الجنود الإسرائيليين قبل  إرسالهم لتدمير القرى و المدن الفلسطينية .  في الأوامر التي صدرت في 21 مايو – أيار- : ( عليكم ما بين 14 و 15 مايو احتلال و تدمير : الطيرة ، قلنسوة ، قاقون ، أراتا ، دنبة ، اكتابا ، الشويخة ، و كذلك احتلال و تدمير قلقيلية )  إحدى مدن الضفة الغربية التي عجز الإسرائيليون عن احتلالها ، حينذاك ، و هي تقع اليوم وراء الحائط الذي أقامته إسرائيل ، و استمرت عملية احتلال القرى الفلسطينية و طرد  سكانها و قتل كل من يرد إسمه على القوائم بتهمة المقاومة سواء في ثورة 1936 أو بعدها ، و لكن إحدى القرى الفلسطينية التي تبرز في مشاهد النكبة التي تستحق أن نقف عندها كنموذج مأساوي حي لما حدث في قرى و مدن أخرى ، هي الطنطورة .
مــــــــــــذبـــحة الطـنطــــــــورة :
كانت الطنطورة هي إحدى أكبر القرى الساحلية و تشكل " شوكة في حلق " اللواء اليهودي اليكسندروني المهاجم . و هي قرية قديمة يسكنها حوالي 1500 ، يعتمدون على الزراعة و الصيد و الأعمال اليدوية المتواضعة في حيفا . ليلة 22 مايو – أيار- 1948 ، هاجمتها القوات اليهودية من أربع جهات ،  على غير العادة ، إذ كانت الهجمات الإسرائيلية تتم من ثلاث جهات و تترك رابعة للخروج . اقتيد فلاحو الطنطورة تحت النار إلى الشاطئ . قام الجنود اليهود بفصل الرجال عن النساء  و طردوا النساء إلى قرية الفريديس المجاورة . أمر الأسرى الفلسطينيون بالجلوس في انتظار ضابط المخابرات الإسرائيلي شمشون ماشفيتش .  راح ماشفيتش ينتقي بعض الأسرى و يأمر بنقلهم إلى بقعة مجاورة حيث يتم إعدامهم الفوري . و لم يكن هؤلاء هم كل من جرى إعدامهم . فقبل عملية " الاختيار للموت " . سبق للقوات الغازية أن اندفعت في عملية قتل للأهالي و هم في بيوتهم . يقول جويل شولنيك ، و هو أحد الجنود اليهود الذين اشتركوا في الهجوم : ( لقد كان ما حدث من أشد المعارك التي جلبت العار على الجيش الإسرائيلي ) .
تمت معظم عمليات الإعدام بدم بارد . بعض الضحايا سئلوا عن مخزن للأسلحة ، لم يكن موجودا و قتلوا على الفور حين أجابوا أن ليس هناك مثل هذا المخزن . حاليا يعيش بعض الناجين في معسكر اليرموك ، في سوريا ، و مازالوا يعانون كثيرا من فظاعة القتل الجماعي .
فيما يلي وصف ضابط إسرائيلي لما جرى في الطنطورة:
( سيق الأسرى مسافة مئتي متر إلى الجنب ، و قتلوا هناك . كان الجنود يأتون للقائد و يقولون له : " قتل ابن عمي" و حين يسمع القائد ذلك كان يأمر بإعدام خمسة إلى سبعة من الأسرى الفلسطينيين على الفور . و لكن حين جاء جندي آخر و قال أن أخاه قد قتل في المعارك ، فالانتقام كان أفدح من ذلك ، فقد أمر القائد بقتل عدد كبير من الأسرى … و هكذا ….. ) .  بكلمات أخرى  ، فإن ما جرى في الطنطورة كان عملية إعدام منظمة للشباب العربي على أيدي الجنود اليهود و ضباط المخابرات . بعد انتهاء المذبحة ، و انتهاء الإعدامات ….  تم دفن الضحايا تحت إشراف مردخاي سوكولير ، من مستعمرة زيخرون يعقوب ، و كان هو من يملك التراكتورات أي الجرارات التي استخدمت في هذه العملية المريعة ، و يقول إنه يتذكر دفن حوالي 230 جثة ، و لكنه لا يتذكر العدد بالضبط .
 سنة 1999 ، قام الطالب اليهودي تيدي كاتز بإجراء تحقيق عن المذبحة كرسالة ماجستير لجامعة حيفا ، و نشر وقائع هذه المذبحة … فقامت الجامعة على الفور بإلغاء درجته العلمية … و قاضاه جنود لواء أليكساندروني بتهمة التشهير . و كان أحد أهم الشهود الذي استعان بهم الطالب هوشلومو أمبار ، الذي أصبح لواء في الجيش الإسرائيلي فيما بعد . أمبار رفض إعطاء التفاصيل و لكنه قال : ( أريد أن أنسى ما حدث هناك )  و حين أصر عليه كاتز بأن يتحدث قال : ( إني أربط هذا بسجلي حين حاربت الألمان مع الفيلق اليهودي في الحرب العالمية الثانية ، لقد كان الألمان هم أشد أعداء الشعب اليهودي و لكن التزمنا بقوانين الحرب في قتالهم . و الألمان لم يقتلوا أسرى الحرب ، قتلوا بعض السلافيين و لكن لم يقتلوا الجنود الإنجليز حتى و إن كانوا يهودا ) .
و في 24 مايو – أيار- كتب بن غوريون في مذكراته و هو يستعرض " افتخاره " بالمذابح التي اقترفها جيشه :( سوف نقيم دولة مسيحية في لبنان ، التي ستكون حدودها الجنوبية نهر الليطاني . سوف نجزأ شرق الأردن و ندمر عمان بالقنابل و ندمر جيشها ، سوف نغير بالقنابل على بورسعيد و الإسكندرية و القاهرة ، و سيكون ذلك انتقاما لما فعلوه المصريون و الأراميون و الآشوريون لجدودنا على مر التاريخ ) . و استمرت عمليات الاحتلال و الطرد و القتل في بقية فلسطين .
اللـــــــــد  و الـرمـــــــــــــلة :
عملية داني هي الاسم الخاص للهجوم على مدينتي اللد و الرملة الواقعتين في منتصف الطريق تقريبا بين يافا و القدس  .
في العاشر من يوليو – تموز- 1948 ، أصدر بن غوريون قرارا بتعيين يغال آلون قائدا للهجوم و إسحاق رابين الضابط الثاني ، أمر آلون بقصف اللد من الجو و كانت أول مدينة تهاجم بهذه الطريقة ، تبع هذا الهجوم مباشرعلى وسط المدينة ، و صدرت أوامر غلوب باشا قائد الجيش الأردني  بانسحاب جنوده. و توهم أهالي اللد و الرملة أن الجيش الأردني سيدافع عنهم خصوصا و أن المدينتين تقعان في الدولة العربية بموجب قرارات التقسيم ، و لكنهم كانوا على خطأ .  و بعد أن تخلى عنهم الجيش الأردني و المتطوعون العرب  ، تحصن رجال اللد في جامع الدهاميس وسط المدينة . حاربوا لبضع ساعات و لكنهم هوجموا بضراوة  ليقوم الجنود اليهود بذبحهم داخل الجامع  ، و قد قدر عدد القتلى بـ 426 رجلا و امرأة و طفلا . وجد منهم داخل الجامع 176 جثة . في اليوم التالي ، 14 يوليو – تموز- ، داهم الجنود اليهود بيوت المدينة بيتا بيتا و أخرجوا الأهالي من بيوتهم و دفعوا حوالي خمسين ألفا من أهالي المدينة في اتجاه الضفة الغربية ، و قد كان نصفهم لاجئين من القرى التي طردوا منها .
و هناك شهود عيان وصفوا المذابح و عمليات النهب و مداهمات البيوت و جر العائلات خارج بيوتها و نهبها و سرقتها قبل إجبار العرب على السير على الأقدام في أحد أشد أشهر السنة حرارة . كان هناك صحفيان شهدا الهجوم اليهودي ، منهما كيث ويلار مراسل شكاغو صن ، الذي كتب : ( مات كل شيء أمام القوات اليهودية ) . و الصحفي الأمريكي الآخركينيث ويلبي مراسل نيويورك هيرالد تريبيون كتب : ( كانت جثت الرجال العرب و النساء و حتى الأطفال تنتشر في كل مكان بعد الهجوم اليهودي الفائق الذي لا يرحم ) . قد يدهش البعض لأن مثل هذه الجرائم و المذابح لم يعرف عنها سوى القليلين ، و السبب أن تغطية الحرب كانت متحيزة لطرف واحد ، و كاستثناء من القاعدة وصفت الإيكونوميست البريطانية  : ( أقام الجنود المحتلون حواجز تفتيش للاجئين ، خاصة النساء ، لسرقة مصاغهم من الذهب و المجوهرات و نزعها من رقابهن و معاصمهن و أصابعهن ، كما أنهم كانوا يسرقون كل ما يمكنهم العثور عليه من نقود أو أي شيء آخر خفيف و غالي الثمن ، و حين قام ايغال آلون بسؤال بن غوريون عما يجب فعله مع أهالي اللد و الرملة ، أشار بن غوريون بيده أنهم يجب أن يطردوا ) .
و هكذا تم بالفعل طرد خمسين ألفا من أهالي اللد و الرملة من بيوتهم تحت النار و القتل . و في أكتوبر – تشرين الأول- 1948 .... استمر الهجوم اليهودي ... و منه هجوم " النخلة " ، كان لاحتلال الناصرة و بعض القرى في شمال فلسطين ، منها حطين ميدان الانتصار العظيم لصلاح الدين الأيوبي . قام الفلسطينيون في حدود طاقتهم المحدودة بمقاومة منها المقاومة الضارية في معركة عارا التي كبدت اليهود خسائر فادحة . و لكن في النهاية استطاع التفوق العسكري الإسرائيلي الساحق أن يحقق أهدافه و يحتل قرى الجليل و منها : دير حنا ، عيلابون ، عرابة ، اكريت ، فرادية ، خربة اريبين ، كفار عنان ، طربيخة  و عشرات القرى الأخرى . و كانت المذابح تتكرر من قرية إلى قرية ، منها مذبحة أهالي سعسع .
مـــــــذبـــحـة الدوايــــــــمة :
تقع قرية الدوايمة بين بئر السبع و الخليل و لعل أحداثها هي أسوأ فصول النكبة . و قد تشكلت لجنة خاصة للأمم المتحدة  للتحقيق في ما حدث في القرية يوم 28 أكتوبر – تشرين الأول- 1948 . كان عدد سكانها ألفين قفز إلى أربعة آلاف لتدفق اللاجئين إليها .
يروي تقرير الأمم المتحدة بتاريخ 14 يونيو – حزيران- 1949 السبب في أن الناس لا يعرفون إلا القليل عن مذبحة الدوايمة ، التي شهد أهلها ما هو أسوأ من مذبحة دير ياسين ، هو الخوف من أن تسبب أخبارها الهلع الذي سببته مذبحة دير ياسين و دفع الناس للموت و التسفير . و لعل هناك سببا آخر هو أن الأهالي يتهمون طرفا عربيا بالتقاعس و العجز . يتذكر مختار الدوايمة حسن محمود الديب : ( بعد نصف ساعة من صلاة الظهر ، يوم 28 أكتوبر ، دخلت القرية عشرون سيارة مصفحة من جهة قبيبة في حين قام الجنود اليهود بمهاجمة الجناح الآخر . شل الجنود العشرون الذين كانوا يحرسون القرية . جنود السيارات المصفحة أطلقوا النار بالمدافع الرشاشة و الهاون و اقتحموا القرية بحركة دائرية و طبقا للمشهد المعتاد . طوقوا القرية من ثلاث جهات بهدف أن يخرج ستة آلاف شخص في ساعة واحدة . و حين لم يحدث ذلك ، قفز الجنود من مصفحاتهم و راحوا يطلقون النار على الأهالي ..... سقط في هذه المذبحة 455 فلسطينيا منهم حوالي 170 امرأة و طفلا . و قد اعترف الكاتب الإسرائيلي آموس كينان بهذه المذبحة التي شارك فيها . كانت مذبحة الدوايمة هي آخر المذابح التي اقترفها اليهود حتى سنة 1955 حين ذبح 49 من أهالي قرية كفر قاسم . و هي القرية العربية التي أعطاها الأردن لإسرائيل بموجب اتفاقية الهدنة ) .

خـــــــــــــــاتمة :
تثبت الأحداث و الجرائم و المذابح و الخطط العسكرية التي قامت به القيادة الصهيونية أنها نتيجة خطة موضوعة و دقيقة هدفها طرد الفلسطينيين من وطنهم و إخلاء فلسطين من سكانها . ليحل مكانهم المهاجرون اليهود . و أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي مأساة و جريمة كبرى من تخطيط و صنع العقل المجرم للقيادة الصهيونية .

                                                                                                                                                                                                                                                                


تم  ...  و شكرا على سعة صدوركم  ...

0 رد على " "

إرسال تعليق