قيمة المواطن العربي لدى الحاكم العربي
بالأمس القريب طالعتنا الأخبار بنبإ الإفراج عن المخطوفين الكوريين الجنوبيين تحديداً مقابل فدية مادية قدرت بعشرين مليون دولار نقداً دفعتها حكومة سيول لحركة طالبان " كاش " ، مع وعد بسحب قواتها من أفغانستان و وقف الحملات التبشيرية قبل نهاية العام أولاً . و دون أدنى شك نفرح مع الكوريين عامة و أهالي المخطوفين خاصة ، لخلاصهم من براثن الموت المحتوم . و ثانيا نحزن و نتوجع لأن هذا المبلغ ستخسره حركة طالبان و هي نسخة مرتبطة بالقاعدة على حد أقوالهم تسمم أفغانستان و غيرها ، لكن ثالثاً و هي الأهم ، وقفتنا المذهولة كوننا ننتمي لأمة العرب أمام قيمة المواطن الكوري عند أهله و حكومته ، و سعيها الحثيت و التواصل و وضعها سياسة بلدها و سمعتها العالمية و التهم و الإنتقادات التي وجهت لها في السر و العلن لمجاراتها و خضوعها إرهابية و تقديمها كل التنازلات من أجل مواطينها ... لكنها رغم نفيها دفع المبلغ المذكور و هو أمر عارٍ عن الحقيقة ... لكنها عادت و قالت على لسان مسؤوليها ( على العالم المتحضر أن يقدر موقفنا و مسؤوليتنا حيال مواطننا ، فلم يكن لدينا مفر أو منفذ من أجل إنقاذ حياة المخطوفين ) ...
لم تقل حكومة سيول أن هؤلاء المبشرين هم أتباع الكنيسة الإنجيلية ، و ليسوا مذنبين كما هي حال معظم سكان كوريا الجنوبية ، و لم تقل أنهم وضعوا أنفسهم في مأزق و لم يستشيروا حكومة بلادهم و لم يأخذوا برإيها ، أو يمروا عبر مخابراتها و يستأذنوها ، حين قاموا بمهمتهم الإنسانية لمساعدة ضحايا الحرب في أفغانستان ، بل أرسلت طاقمها للمفاوضة و وضعت كل إمكانياتها السياسية و المادية و موقعها العالمي من أجل تسعة عشر مواطن !!!! هذا الموقف يأخذنا لموقف آخر مشابه من حيث قيمة المواطن لدى دول تحترم الإنسان كإنسان و تحترم مواطينها و حقوقهم و تصونها و ترعاها و تحارب الكون ليحصل مواطنها على حقه الشرعي ، فهي تحميه و تقف كالطود من أجل أن يجعل العالم يعرف عندما يقتحم عقر داره و يهدر كرامة مواطن هذا البلد أنه لن ينجو بسهولة و سيفكر مئات المرات قبل أن تمتد له يد الإرهاب أو القتل ... أو يفكر بإيذاء مواطن هذا البلد الغيور على مصلحة أهله و مواطنه .... - منذ سنين بتت المحاكم الإسكتلندية في قضية - لوكربي - و اعترف المواطن الليبي " المقراحي " بجرمه ، أو وقع الجرم على رأسه كي يبرىء ساحة الحكومة و رجال أمنها المسؤولين عن التخطيط للعملية ، و دفعت جمهورية ليبيا الديموقراطية العظمى !! مبلغاً قدره 2,7 مليار دولار توزع على عائلات ضحايا لوكربي و عددهم 270 ضحية - و في الوقت نفسه و كانتقام مع الفارق الشاسع بين الطرق العقيمة و التضحية بأناس أبرياء ، سارعت ليبيا لتتهم الممرضات البلغاريات و الطبيب الفلسطيني الذي أكرمته بلغاريا لتنقده بمنحه جنسيتها بدل أن تنقده دولة عربية .... بأنهم لم يختاروا مهنتهم لإنقاذ حياة المريض بل لارتكاب جرائم بحق أطفال أبرياء ... و استخدمت قضيتهم كورقة بعيدة عن أي مشاعر إنسانية و تعرضوا خلال ثمان سنوات لمختلف أصناف التعذيب و الإرغام و التهديد للإعتراف بجرم لم يرتكبوه ... و كانت ورقة الممرضات و الطبيب ورقة مساومة أقل ما يقال فيها أنها ( حقيرة ) ، و من أجل مبلغ 452 مليون تدفعها الدول الأوروبية لاحقاً ... علماً أن الشيك الأول كان قطرياً ... لم تفعل الحكومة الليبية ما فعلته حباً في أطفال مدينة بنغازي المعارضة و المشاغبة تاريخياً ... لهذا فإن مشفاها يلقى الإهمال و تنعدم فيه أبسط الوسائل الطبية و العلاجية و لم ترَ تطوراً منذ عقود حينها ، فوجدت ضالتها في بلد أوربي صغير و حديث العهد بالحرية كبلغاريا و أرادت بهذا أن تضرب عدة عصافير بحجر واحد ، تكسب من خلالها داخلياً وِد أهل بنغازي بالذات و تحصل على صفقة لتحديث المشفى و معداته و طاقمه كما ابتزت ساركوزي و حكومته الجديدة آنذاك لتحصل على صفقة أسلحة ... ثم تقول للعالم أن مواطنها غالٍ و مهم . و لو أن أطفال بنغازي ليسوا أهم من مخبرها المقراحي - و ما كلف خزينتها من ثمن و أنها و وزارة الصحة المسؤول الأول لأنهم يهتمون بفحص الدماء المنقولة للأطفال أثناء معالجتهم أو إجراء العمليات لهم ... و لن ننسى ما صرح به نجل القذافي قائلاً : " إن الممرضات البلغاريات و الطبيب الفلسطيني أبرياء و " كبش فداء " - ....
من ناحبة أخرى حصل المدعو ماهر عرار و هو مواطن سوري مقيم بكندا منذ أكثر من عشرين سنة و حاصل على جنسيتها ، على 8 ملايين دولار من الحكومة الكندية بعد أن أقام عليها دعوى لأنها لم تعترض على تسليمه من السلطات الأمريكية للمخابرات الأردنية ، و التي قامت بدورها بتسليمه للسلطات السورية حيث احتجزته و عذبته لما يناهز العام ، كي يعترف أن له علاقة بالقاعدة فترضي بذلك السلطات الأمريكية و تقدم لها الخدمة بالحرب على الإرهاب ... لكن السيد عرار كان بريئاً و كل ما في الأمر أن الرجل مسلم مؤمن لا غير ... و لأنه مؤمن ببراءته أقام دعوته و كسبها أمام محاكم عادلة و قوانين تؤمن بالإنسان ، لكن أبداً لم يفكر بمقاضاة بلده التي عذبته و حبست حريته لأكثر من سنة معتمدة على التهمة الأمريكية له .... برأيكم لماذا لم يقاضِ حكومة بلده ؟ الجواب دون شك عندكم ... و يعرفه السيد عرار ... و يعرف نوعية القوانين التي تحكم بلداننا نحن العرب . إنها نفس اللاقوانين التي منعت السيد رياض سيف من مغادرة البلد للعلاج بالخارج ، و نفس الحكومة داخل الحكومة التي تحرم سبعة عشر مواطناً من حقهم في العمل و تسريحهم لأنهم تجرؤوا و وقعوا على إعلان و بيان من أجل حرية الإنسان ... و نفي الأيادي و الأجهزة التي تتخذ القرارات و تسيطر على المحاكم ... إنها نفس اللاقوانين التي تمنع أقرباء معتقلي الرأي هنا و هناك في حين القوانين بوجه آخر تمتع أمثال النيني المغربي بكل الحريات داخل السجون حيث يخرج هذا الأخير إلى سبتة للتجارة في الممنوعات و التي اعتقل بسببها ليعود ثانية إلى السجن و كأنه صاحبه . و لما لا و مدير السجن بمدينة القنيطرة يستفيد من ربح ممنوعات النيني ...... و نفس القوانين التي تمتع الاسباني دانيال بالعفو الملكي بعد إدانته و تورطه و توقيفه في قضية عار تهم اغتصاب 11 طفلا مغربيا خلال العشر الأواخر من رمضان 2013 .
إنها نفس الأحكام التعسفية الصادرة عن محاكم استثنائية بحق شباب متفتح ... سمح لنفسه أن يفكر و يتساءل عن أسباب الفساد و كيفية القضاء عليه كطلاب الجامعات في كل بلداننا ... هذا هو الإنسان و هذه هي قيمته في وطننا المحاصر من أجهزة قمع و تنكيل و سلب و نهب - حتى اليوم مازالت إسرائيل تبتز العالم و خاصة الدول الأوربية باعتبارها ممثلة شرعية ليهود الكون و حامية لحقوقهم ، بعد مذبحة الهولوكوست ، مازالت ألمانيا تدفع لإسرائيل و تعمل جاهدة للدفاع عنها و أمنها لمحو تهم معاداة السامية التاريخية و عارها الذي لحق بها من جراء ما فعله هتلر بهم .... لأن إسرائيل تعرف كيف تسعى لحقوقها و حقوق اليهودي ... لأن إسرائيل تعرف كيف تستغل التعاطف و السياسة الدولية من خلال لوبي صهيوني يعمل لصالح دولتها ... لأن أغنياء اليهود يسخرون أموالهم من أجل دعم دولتهم .... لأنهم فعلا يتقنون لغة الخطاب مع الآخر و كيفية النفاذ و التغلغل من أجل مصالحهم السياسية . بيد أن بالمقابل ، ماذا تفعل الحكومات العربية لنصرة فلسطين ؟ - شخصياً لن أنسى تصريحا للرئيس القدافي اتهم فيه الفلسطينيين لأن بلاده كانت بمثابة الخزينة ، صندوق المال لدعمهم و هم لا يستحقون !!! فما هو مقدار الدعم الذي قدمه لو قدرناه ؟ هل يساوي ما دفعه من أجل قضية لوكربي ؟ .... ماذا فعل أهل فلسطين الآن من أجل قضيتهم ؟ و ماذا يفعل أغنياء فلسطين في الخارج من أجل بلدهم المسلوب ؟ ماذا يفعل أغنياء العرب من أجل بلادهم و قضاياهم و إنسانها و رفاه حياته ؟ ماذا تفعل حكومات بلادنا لشعوبها و لقيمة إنسانها ؟ و كيف تدافع عن كرامته و قيمته المسلوبة في كل محفل دولي و على كل معبر و نافذة و محطة دولية أو حتى بين الدول العربية ذاتها ، من يصنع قيمة الإنسان العربي ؟ و من يصون كرامته سوى حكوماته التي تهتم بصيانة و تلميع كراسيها الوثيرة و رجال أمنها و شرائط و أوسمتهم التي علقوها نتيجة وفائهم في حماية السلطات القائمة و نهب و إفقار شعوب بلادهم ......
أليس من حق المواطن العربي أن يتمنى لو كان كورياً جنوبياً .... أو عفريتاً من عفاريت الأرض يحترم فيها ككائن حي و يتنفس هواءً نقياً و يشعر بفخر انتمائه ... المؤسف أنه رغم كل ما يجري لنا فمازلنا نحن للوطن ، نتألم و نبكي دماً و وجعاً من أجله و عليه ... مازلنا نعلق رايات البارحة و نترنم بأناشيد الماضي و نرفض إلا أن ننتمي لمسقط رأسنا ... الذي يحمل جلاديه سكين الجز لرقاب مواطنيه ، لهذا ندرك أن التراب غير مسؤول و ندرك أن المواطن محكوم و مظلوم و ندرك أنه يحلم بالفرج و ينتظر بارقة أمل .... لا يبرح مكانه لأنه مغروس فيه .. و لا يخرج من جلده لأنه مهما ضاق عليه و خنقه .... فقد اكتسبه عن أسلافه و اكتسب فيه هويته .
0 رد على "قيمة المواطن العربي لدى الحاكم العربي"
إرسال تعليق